عالم غريب على الاسواق

[mr.zoro]

ما لم يكن المرء ذكياً بالفطرة، أو خبيراً من خبراء الاسواق الشعبية فأنه في اللحظة التي يضع قدمه في هذا المكان، يصبح عرضة لواحد من 3 احتمالات لا يمكن ان ينجو منها الا بقدرة قادر، اولها سرقة حافظة نقوده حتى لو خبأها بعملية جراحية تحت الجلد، وثانيها امكانية اغرائه بشراء ببغاء تتحدث بسبع لغات فأذا قبض البائع الثمن وانصرف الى بيته اكتشف المشتري بان ببغاءه (المثقفة) أمية لا تحسن القراءة ولا الكتابة ولا النطق بأية لغة، وثالث الاحتمالات واخطرها هو افلات كلب بحجم البقرة من يد صاحبه لا يتلذذ بغير لحم الانسان الشهي!



لا اصواف ولا غزول



علينا ان لا ندهش كثيراً امام الغزل الرقيق الذي ترسمه اقفاص الطيور ولا امام الحرشة المهذبة داخل احواض السمك، بقدر الدهشة من غياب الاصواف والخيوط والغزول عن هذه السوق التي تحمل اسم (سوق الغزل- بكسر الزاي).

اذا تجاوزنا رواية غير موثقة ولا مؤكدة تفيد بان بعض القرويات كن يحملن اصوافهن الى هذا المكان لغرض بيعه، فأن التاريخ القريب كما يذهب الباحث التراثي الحاج عباس مجيد، يشير الى ان هذا المكان بدأ مسيرته من دكان صغيرة سرعان ما اتسعت الى مجموعة دكاكين تتعاطى بيع الاعشاب والطب العشبي الذي كسدت تجارته بانتعاش المؤسسات الصحية، فتحول تدريجياً الى بيع الدجاج وطيور الطعام ثم الى عموم طيور الزينة والهواية قبل ان تصل الى سوق تبيع كل شيء وتشتري كل شيء، ويرتادها خلق من شتى مخلوقات الله البشرية، لا يجمعهم نسب اقتصادي ولا تكافؤ ثقافي، اللهم الا كونهم جميعاً من الرجال، باستثناء بضع نساء بائعات، اما المشترون والمتجولون والسراق والعاملون على باب الله والعارضون واصحاب المحال والارصفة والارضيات والعربات فهم جميعاً من الذكور ابتداء من عمر ست سنوات وانتهاء بعمر السبعين.

بين ايدينا رواية اكثر ثقة ومصداقية يقف وراءها الدكتور عماد عبد السلام رؤوف فهو يعد ان يحدد موقع السوق بين محلتي التوراة والدهانة ينسب سوق الغزل الى سوق عثمانية اشتهرت بتجارة الغزول وربما جاءت التسمية من هذا النسب التاريخي، ويفيدنا الدكتور رؤوف بمعلومة قريبة من الموضوع تتعلق بجامع الخلفاء الواقع ضمن المكان والذي شيدت عنده (المئذنة الشاهقة العجيبة المعروفة في العهود المتأخرة بمنارة سوق الغزل) وهي من اقدم مآذن العراق حيث يعود بناؤها الى 726 سنة مضت.

لا يفتتح هذا المعرض الا يوم الجمعة فقط من كل اسبوع منذ التاسعة صباحاً وحتى بعد الظهر، وهو يعج بالحركة في هذا الوقت الى حد الزحام والى حد الصعوبة في اختراقه بيسر وسهولة، فهناك آلاف مؤلفة من البشر تعرض مئات الحاجات من شتى الانواع والاصناف التي ترد ولا ترد على الخاطر، ولهذا قد يعثر المرء في هذه (الجمعة) على معروضات لا يعثر عليها في جمعة اخرى... فالسوق تبيع بضاعة (دائمية) كانواع الطيور والنباتات والارانب والكلاب والاسماك والافاعي، وتبيع بضائع (وقتية- أي حسب توفرها) ليس لها مكان ثابت ولا موعد عرض ثابت، هذه قط شيرازية بمئة وخمسين ألف دينار وهذه سحلية وهذا جرذ نخل وهذا سنجاب وهذا قرد وهذا صقر بملايين الدنانير وهذا وذاك كثير.

احتلت السوق احد جانبي شارع الجمهورية في المنطقة المحصورة جغرافياً بين جامع الخلفاء وبين منطقة الدهانة وبين عقد النصارى متخذة من رصيف الشارع والازقة المحيطة به والمؤدية اليه مقراً لممارسة نشاطها وهو نشاط لا يخضع لقانون أو نظام واضح، سواء من حيث التوزيع والتوزع المكاني للباعة، أم من حيث الاسعار ووسائل واساليب البيع، ام من حيث المعروض السلعي ولكن بالمقابل هناك مجموعة من التقاليد والاعراف التي (رتبت) علاقات العمل واعترف بها واحترمها الجميع لتنظيم تجارتهم ورزقهم وهوايتهم، ومع الايام اصبحت للعرف قوة تعادل قوة القانون ولا يجوز التغاضي عن الالتزام به لوجود جهاز تنفيذي ذاتي يفرض سلطانه المعنوي الجماعي المهاب.



الاجنحة الملونة



الحيوان الاعظم الذي فرض نفسه على المكان اكثر من غيره، هو الطائر، فابتداء من خطوات حركتنا الاولية من جامع الخلفاء وانتهاء بمسافة تستأثر بنصف السوق أو يزيد قليلاً كانت انواع الطيور تعرض في اقفاص أو مشبكات حديدية أو صناديق كارتونية، وربما كانت اكثر الطيور شيوعاً في السوق هي تلك التي يختص بترتيبها الهواة أو (المطيرجية) ولعل اشد الاماكن زحاماً وبيعاً وشراء وعرضاً في هذه المنطقة المخصصة لها حيث يصعب حقاً حصد اعدادها وانواعها ومع ذلك يوجد داخل هذا العالم من الاغراءات الخاصة ما يستوقف الزائر والمتفرج والغريب، فهذا الزاجل الذي ينقل الاسرار والرسائل، ويطير آلاف الاميال ويقطع ابعد المسافات محافظاً في كل ذلك على ذكاء استثنائي مفرط يشجع على اقتنائه واحترام شخصيته الا ان واحداً من تلك الدهشات أو الاغراءات الخاصة تكمن في سعره، فالواحد منه يبلغ ثمنه مليون دينار، وبائع الطيور يقول ان هذا (الطير) لا (يجنيه) الا كبار (المربين) فهم يعرفون ادق دقائق حياته الفسلجية والنفسية والمعيشية، ولا بد لهم من ذلك لان السعر ليس هيناً والزاجل انواع منه الهولندي والبلجيكي والحلاوي الاصيل، وغالباً ما يستعمل هذا الطائر لمراهنات السباقات الطويلة بين المربين وهذا هو السبب الحقيقي وراء اثمانه الباهظة، امامنا لوحة لونية مذهلة لطيور الحب والمعروفة باسم (الكناري) ولعلنا نميل للمصطلح العراقي –طيور الحب- لان تعلق الذكر بانثاه فاق اعظم قصص الغرام التاريخية فهو لا يفارقها ابداً ويطارحها الغرام حتى عند حضانتها للبيض، ومن دواعي الدهشة، ان الانثى ترفض رفضاً صارماً ان ينظر اليها الانسان عندما تبيض، فأذا احست أو اكتشفت ان هناك من يراقبها، لا تقبل على احتضان بيضها وتقوم باتلافه وقد اشار احد المعنيين، وهو السيد يوسف عبد ياسين الى ان هذه الطيور تتكاثر بصورة لافتة للنظر في العراق، واجود انواعها هو المدعو (الافريقيات) ولكن المتوفر منه في السوق هو الهولندي والاسترالي، واسعار الزوج الواحد منه تتراوح بين (2500-3000) دينار والاقبال عليها واسع جداً وفي منطقة الطيور نتعرف على (القطا) ذات الرواج الكبير لدى صيادي الصقور لانهم يستخدمونها لاستدراج هذه الطيور الغالية وصيدها، فهي تمثل فريسة مغرية للصقر من غير ان يتحسب للفخ المنصوب له، وفي غمرة هذا التنوع لا نعدم العصافير والزرازير والبلابل والحجل وطيوراً جارحة عملاقة وديعة صغيرة بحجم عقدة الاصبع وطيوراً بمناقير ملونة أو تسريحات شعر جميلة أو تيجاناً أو اجنحة مخططة ولم تنس السوق حظها من (بسطات) ارضية واسعة لاخراج الدجاج ودجاج القرى والبط والاوز وطيور الماء والطواويس المتباهية، كما لم تنس نصيبها من الطيور المحنطة لندرتها وارتفاع اسعارها، فطائر المينا بنصف مليون دينار لانه طائر قادر على الكلام بفصاحة والببغاء الافريقي كاسكو صاحب الصوت الرجالي الخشن والذي يعمر قرابة 14 سنة بـ 75 ألف دينار والبلبل الاحدب والمفتل صاحب الصوت الاعذب والذي يباع بحدود ربع مليون دينار.



جولة حرة



صناديق كارتونية واسعة من غير اغطية تسترخي داخلها مئات الارانب وهي ترتجف مذعورة ولكنها لا تهرب رغم قدرتها على ذلك وصاحبها السيد محمد محيبس يعجب من كثرة توالدها فهي في كل 40 يوماً تلد ما بين 7-9 افراخ وهو لا يدري ان هذه هي وسيلة الدفاع عن النفس من اجل البقاء والحفاظ على الجنس.. ولعل اغلى انواع الارانب هو ذو العيون الحمر أو الارنب الفرنسي ويتراوح سعره بين 1250-1500 دينار، في (جمعتنا) لم تكن هنا غزلان والسوق عموماً تشكو من شحتها وخاصة (الريم والمها) اللتين تعدان من اجمل انواع الغزلان في العالم ويصل سعرها الى 500 ألف دينار، لم نجرؤ على الاقتراب على الرغم من تأكيدات السيد جبر احمد الجنابي بان الافاعي في سوق الغزل جميعها لا تؤذي وليست سامة ولكن من يضمن الاجساد الناعمة التي تتحرك برشاقة وغنج فربما كان في ملمسها الموت ولا بد من تصحيح مقولة (الحية والبطنج) التي درجنا على تناولها اشارة للعداء بينهما فقد ظهر انها اطيب صديقين ولا ندري الى أي مدى حكاية السيد الجنابي من ان حرق الافعى وطحن عظامها ومزجه بزيت الزيتون يستعمل علاجاً للأكزما.

وحدثني احد باعة الافاعي المتجولين بانه ورث مهنة بيع الافاعي عن والده، وانه يحصل عليها من البساتين والمزارع المحيطة ببغداد حيث يصطادها ويقوم بافراغ سمها وبيعه ثم قلع انيابها، ويقول بانه يطلي جسمه بزيت معين تنفر منه الافعى لكي يتجنب لدغتها، ومع ذلك لم ينج من اللدغات التي كلفته احداها بتر ابهام قدمه!

الكلاب اكثر مخلوقات السوق ضجيجاً، نباحها لا يتوقف والسلاسل الحديدية محكومة الى ايدي اصحابها واحتمال انقطاع السلسلة أو اغفال (العارض) عن احكام قبضته وارد جداً وعندها لن تجد بعض الانواع ضيراً من افتراس اقرب الضحايا منها دون ان يستطيع احد تخليص الفريسة من انيابها، الكريدن المتمرس بالصيد والبالغ ثمنه ثلاثة ارباع المليون، واسماء وانواع عديدة وكلاب صغيرة بشعور طويلة كثيفة كأنها الدمى الصناعية وشراسة بعض الاسماك لا تقل عن شراسة جيرانها الكلاب ففيها انواع متوحشة مثل الاوسكار والزيبرا والجوولوكار لا تتردد عن مهاجمة الاسماك الاليفة اذا سكنت معها في حوض واحد، ثم التهامها، ومع صفتها العدوانية فسعرها يصل الى 100 ألف دينار، بينما لا تبلغ اسعار الاليفة مثل (البلاك- السلفر- الوايت) الا مبالغ بسيطة بالمقارنة مع الوحشية، بما في ذلك السمكة الذهبية (كولدن فش) التي تعد الاغلى بين الاليفات ولكنها المتواضعة قياساً بالعدوانيات.. ومن طرائف اسماك الزينة ان بعضها يلد وبعضها يبيض.



حكايات ممتعة



السيد صاحب حسون من قدامى السوق عرض سنجاباً وديعاً للبيع وحين اراد احدهم شراءه قام السيد حسون بمد اصبعه الى السنجاب كي يؤكد للمشتري مدى وداعته، فما كان من الحيوان الا ان غرز اسنانه في اللحم فتنافر الدم وهرب المشتري مذعوراً.

احد المعنيين بالطيور فوجئ يوماً برجل يبيع قفصاً كبيراً من الطيور الافريقية ذات الريش الاسود والارجل والمناقير الحمر باسعار زهيدة لانه على عجلة من امره وينوي السفر وما هي الا دقائق حتى باع ما بحوزته واختفى برمشة عين ليكتشف الناس من بعده انهم اشتروا عصافير اعتيادية قام الرجل بتلوينها بمهارة.

احد مربي الكلاب يتحدث عن مروره في السوق يوماً، ومعه كلبه المربوط بسلسلة، فصادف وجود بطة قريبة منه في مكان منه الا ان وثب عليها وابتلع رأسها برمشة عين بحيث لم يستطع الجميع تخليصها وكاد الامر يتحول الى مشكلة لولا ان صاحب الكلب دفع ثمن البطة وحكايات كثيرة، احداها تشير الى ان الباعة لم يعودوا تجاراً وانما اصحاب خبرة عالية في (بضاعتهم) وحيواناتهم، يعرفون انواعها ومناشئها واسماءها وماذا تحب؟ وماذا تكره؟ وكيف ترضى؟ وما هي امراضها؟ وكيف تعالج؟ وكيف تربى وتساس؟.

وحكاية تقول ان السوق بحثت لنفسها عن صيغة من التكامل فهي حين تبيع الطيور تعرض معها للبيع ما تحتاج اليه من طعام واقفاص وانية ماء.. وتعرض مع الكلاب مستلزماتها من اربطة جلدية وسلاسل حديدية، وهي تفعل الشيء نفسه مع الاسماك والحيوانات الاخرى، وحكاية تتساءل، هل تباع بعض الحيوانات الناقلة للامراض باجازات صحية وبيطرية ام يجري كل شيء بحرية تامة، وحكاية تحاول البحث عن حالة لتنظيم الحالة وترتيبها بصورة تمنعها مزيداً من الامان والاطمئنان والجمال، وحكاية تناشد أي موظف من موظفي الصحة لزيارة المكان والتعرف على الاطعمة المباعة للكائنات البشرية باسعار زهيدة جداً.. جداً..و..


احمد عزت عبد الجواد

[shiko]

سبحان الله وصف سوق الجمعه اللي في مصر بالظبط
لو دافن محفظتك تحت جلدك هتتعلق برضه
ههههههههههههه
شيكو

[ولد بوجعفر]

اخي العزيز اشكرك على هذا الموضوع .. وكأني قد تجولت معك خطوه بخطوه في هذا السوق فقد كنت دقيقا في وصفك بليغا في كلمتك مسلطا الضوء على جميع هذا السوق من مكان وزمان و معروضات وبائعين
في الختام اشكرك فقد استمتعنا بجولتنا معك .. وننتضر منك المزيد .

[zohla2010]

مشكووووووووووووووووووووور على الوصف الدقيق للسوق

[hisham elhadedy]

مشكوررررر على الجولة

[بحريني رومنسي]

الله يعطيك الف عافيه على المضووع الرووعه
وتحياتي العنيفه لكم وسلملمــــــــــــــ،،،

[متى احظى]

مشكووووووووووور

حسستني جني وباااك

اخوك متى احظى

[shenoda]

مشكووووووووووووووووووووووور

[hamza maroc pitbull]

مشكوووووووووور على الموضوع الرائع.

[الظل]

متشكرين على الموضوع الحلو دة