رد: الأخـــوه في الله إهداء إليكم
طيب الكلام وحسنه بين الأخوة، مدعاة لجلب المحبة ودوامها وفي هذا يقول المولى عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] ووصف عباده الصالحين أنهم طيبو الكلمة فقال عز وجل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24] والقول الطيب والكلام الحسن يبطل كيد الشيطان ويسد أمامه الطريق للإفساد والتفريق بين الأخوة وفي ذلك يقول تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء:53] وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى يفيد وجوب طيب الكلام وحسنه واختيار أفضل العبارات أوضحها في التعبير عن المقصود وإدخال السرور لقلب أخيك، كل ذلك يدخل في مفهوم طيب الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ".
ومن طيب الكلام أن يدعو أخاه بأحسن أسمائه، وأحبها على قلبه، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ثلاث يصفين لك ود أخيك تسلم عليه إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه".
والمبسم والبشاشة في وجه الأخوة من موجبات الأخوة الإيمانية، وكذلك هو من وسائل كسب القلوب، لأن الوجه عبارة عن المرآة التي تعكس ما هو موجود في داخل أعماق الإنسان، فإذا كان الوجه طليقاً بشوشاً كان موحياً بالبشر والمحبة في نفس المقابل، أما إن كان عبوساً مظلماً فلا شكَ أنه يوحي في قلب المقابل بالضيق والاشمئزاز وعدم الانشراح، فعلى الأخوة أن يطلقوا وجوههم فيما بينهم وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ".
وإما إفشاء السلام، فهو أدب من آداب الإسلام الاجتماعية، وقد أمر الإسلام المسلمين به، فالمسلم مطالب بأن يسلّم على من عرف من المسلمين ومن لم يعرف، ومكلف أن يرد التحية بمثلها أو بأحسن منها.
قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].
ولا يستهين بهذه بهذا الأدب ويعرض عن تطبيقه إلا مصاب في أخلاقه بمرض الكبر والعجب بالنفس، أو بالأنانية المفرطة التي يبخل معها بعطاء التحية، وعطاء التحية أهون عطاء يبذله الإنسان من لسانه ووجهه.
قال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ".
وهذا الأدب الإسلامي الاجتماعي يمثل أول خيط من خيوط الترابط الاجتماعي، وتكراره يعقد الصلات وينسج المودات.
جً – خفض الجناح ولين الجانب والتواضع وحسن الخلق وإقالة العثرات والتزاور في الله والتهنئة وتفقد الحال:
خفض الجناح، ولين الجانب، وإظهار المودة للمؤمنين من دواعي دوام الأخوة يقول الله سبحانه وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]، وقال تعالى في وصف المؤمنين الذين يرضى سلوكهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]، فبالتواضع بين الأخوة تفتح القلوب الغلف لصوت الحق، وتنشأ الألفة، وتدوم المحبة، ويرتفع الإنسان بميزان الله تعالى، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ"، ويصف لنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تواضعه ولين جانبه فيقولون: يبدأ الناس بالسلام، وينصرف بكليته صغيراً كان أو كبيراً، وكان آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا أقبل جلس حيث انتهى به المجلس، وكان يشتري بضاعته من السوق ويحملها، وكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويمشى في خدمة أهله وأصحابه ويأكل مع الخادم.
أما عن حسن الخلق فهو السبيل لكسب قلوب الناس، ولكسب رضى المولى عز وجل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا"، فالالتزام بحسن الخلق بين الأخوة، يحيي نور الأخوة، ويجمع القلوب، ويفتح قنوات الإخاء.
أما عن التزاور في الله، وتفقد الحال، فإن التزاور في الله ظاهرة من ظواهر المجتمع المسلم، لأن التزاور بين الأخوان في الله من شأنه أن يدعم أواصر الجماعة، ويقوى روح الجماعية ويوسع مجالاتها، ويمد آثارها، ويقوى المودات، ويزيد وشائج الصلات. وليس هذا خاص في الرجال، بل عام في الرجال والنساء، فتزور المؤمنات أخواتهن في الله، ويتحاببن، ويتجالسن ويتباذلن في الله.
قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا".
وليكسب الأخوة فرصة التزاور في الله للتناصح بصالح الأعمال، والتدارس بالعلم والخير.
د- السعي بالشفاعة الحسنة:
قال الله تعالى {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء:85]، وفي الحديث حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ" وفي هذه النصوص حثّ على المعونة بالشفاعة الحسنة، والمعونة ترجع إلى خلق حب العطاء،" والشفاعة تقوية لطلب صاحب الحاجة يطلب شفيع له ذي مكانة عند من حاجته عنده، لأنه مجهول لديه، أو لأنه مذنب تجاهه، أو لأن بينهما جفوة ما، أو لغير ذلك من أسباب كثيرة يصعب حصرها، فيلتمس شفيعاً يساعده في توجيه الطلب أو الالتماس من أجله، ويتحرّى أن يكون هذا الشفيع من ذوي المكانة أو أصحاب الدالّة لدى من عنده تلبية الطلب أو رفضه، فإذا شفع له عنده نال بغيته، فيكون الشفيع قد منحه من جاهه ومكانته لدى من شفع عنده، فإذا قال في شفاعته قولاً حسناً فقد منحه من كلامه، وإذا سار معه مسافة ليشفع له فقد منحه من جهده ووقته، وإذا خسر من ماله شيئاً في هذا السبيل فقد منحه من جهده وقته، وإذا خسر من ماله شيئاً في هذا السبيل فقد منحه أيضاً ماله، وإذا شاركه في مشاعره وأحاسيسه فقد منحه أيضاً من قلبه ونفسه.
والشفاعة الحسنة بين المسلمين مظهر من مظاهر الجسدية الواحدة، التي يتشاركون بها في مشاعر الآلام والمسرّات، وبها يتساعدون ويتساندون ويتعاونون.
من أجل ذلك حث الله تبارك وتعالى والرسول الكريم على الشفاعة الحسنة،وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ" حث على الشفاعة الحسنة، فهو يطلب من أصحابه أن يشفعوا لذوي الحاجات عنده، سواء أكان الرسول مستعداً لتلبية الشفعاء أو لم يكن مستعداً لذلك. وفي هذا توجيه لهم أنه لا ينبغي أن يربطوا شفاعتهم برجاء الإجابة، فإنهم يؤجرون على شفاعتهم مهما كانت النتائج، وأنه لا ينبغي أن تتأثر قلوبهم إذا لم يجابوا إلى ما شفعوا فيه، فالأمور مرهونة بالقضاء الرباني، وهذا القضاء ينبغي للمؤمن أن يتقبله بالرضا التام".
نعم إن القول الطيب هو الرييق السوي الى القلووب
|