الموضوع: ذكربات هناك
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-2008, 01:22 AM   #20
د.خالد الرفاعي
هاوي







Talking إلى اللقاء (4)

إلى اللقاء (4)

كم أنت غالي يا وطن فيك الذكريات و الأحلام و الأيام السعيدة و الأهل فيك الطفولة البريئة كم ضحكت و كم بكيت و شريط الذكريات يمر سريعا فأجد الدموع تنهمر من مقلتي لكن للآسف...... كان يجب أن نفترق.

هانحن نلتقي مرة أخرى يا صديقي العزيز و أرى أنك لم تمل مني بعد فمرحى بك مرة بعد مرة صديقا عزيز تشاطرني ذلك القبس من ذكرياتي الخاصة, المهم أين توقفنا في المرة السابقة ؟!.

آه تذكرت و أعذرني يا حبيب فمشاغل الحياة قد تنسيك الكثير و الكثير فلا مانع من أن تذكرني كنا نتحدث عن تلك المكالمة الهاتفية التي جاءتني و كيف أنني أنحيت لألتقط جهاز المحمول الذي سقط من يدي لأجيب على المتحدث و لا يفوتني هنا أنا أنصح القارئ بعدما استخدام المحمول أثناء القيادة علما بأني للآسف من أكثر مستخدمي المحمول أثناء القيادة !!!!!!

المهم شاء قدر الله ألا يقع حادث مروع و لا أدري ما حدث فقد فعلت كل ما بوسعي و لا أخفيك سرا أني أغلقت عيناي و انتظرت كارثة محققة و إذا بالسيارة تتوقف على جانب الطريق دون أن يحدث أي شئ , تنفست الصعداء و كان مازالت رنة المحمول تتكرر مما أثار سخطي فقد كادت تلك الرنة أن تقتلني منذ لحظات قليلة رفعت المحمول إلى أذني و أنا في شدة الغضب و على الطرف الآخر جاء صوت المرأة التي أجرت معي المقابلة في مكتب القاهرة.

قالت :د/ خالد لماذا لم تحضر حتى الآن لننهي إجراءات السفر الخاصة بك حتى الآن ألا ترغب في السفر ؟!

علمت على الفور أن الإدارة في السعودية قد مارست على المكتب ضغط ليكفوا عن أسلوب النصب المتبع لديهم فأخبرتها و قد ارتسمت على شفتي ابتسامة النصر أن العقد في جملته لم يعجبني لكن سوف أوافق لأنها مستشفى ضخمة فقط !!

مرت الأحداث سريعا و أجريت عدة اتصالات مع صاحب المكتب نفسه و كانت هناك محاولة لنقل التأشيرة لمكتب آخر في مدينتي لأن صاحب مكتب القاهرة كان ليزال في محاولاته لإتمام عملية النصب علي و الحصول على مبلغ لا يستحقه و ذلك بإيهامي أنه من قام بحل مشكلة الخبرة لدي !! , تفاصيل كثرة لا طائل منها انتهت بإتمام أوراقي لدى هذا المكتب و لم أعطيه سوى ما يستحقه و قد سافر معي والدي رحمه الله في ذلك اليوم و لن أنسى أبدا ملامح الفرحة التي علت وجهه الحبيب عندما رأى التأشير على جواز السفر الخاص بي ، و بتلك المناسبة قام بدعوتي لتناول العشاء في أحد المطاعم الشهيرة بمدينة القاهرة , كم كان حنونا غفر الله له كان يحب بقائي بجانبه و لا يرغب في فراقي لكنه كان يشعر بالخوف الشديد علي مما حمله على التعجيل بإنهاء مسألة السفر .

عندما عدت إلى بلدتي كان شهر رمضان العظيم يدق الأبواب بقوة وفكرنا هل الأفضل أن أسافر مباشرة أم أن أبقى حتى نهاية الشهر كنت أرغب و بشدة في أن تكون بدايتي في المملكة القيام بعمرة في العشر الأواخر من رمضان و كان أبي و أمي يرغبان في بقائي حتى ثالث أيام العيد و لم يسعني سوى تلبية تلك الرغبة الكريمة و قد كانت منة من الله عز وجل فقد اعتكفت في هذا الشهر في أحد أكبر المساجد و كنت مشرف على الاعتكاف و سوف أسرد لكم بعض الأحداث السريعة التي دارت قبيل سفري.

منها أنني اعتكفت كم ذكرت من قبل في أحد المساجد الكبرى وكنت من مشرفي الاعتكاف وكانت لي كلمة وعظية يوميا في المسجد و كانت لي جلسات خاصة مع شباب المعتكف و كان كثير من هؤلاء الشباب من حديثي الالتزام أو من الشباب غير الملتزم أصلا , و كانت منة عظيمة من الله فقد امتاز هذا المسجد نظرا لوجوده في مكان متميز تقطنه الطبقة الراقية بإمكانيات ضخمة للغاية مكنتنا من تيسير الاعتكاف لعدد كبير من الشباب كما أنه كان مركز لدعوة الشباب غير الملتزم لشهرة هذا المسجد في الأوساط الراقية !!

و كان من رحمة الله سبحانه و تعالى أن جعلني سبب في هداية عدد ليس بقليل من هؤلاء الشباب و كان من دواعي فرحي بتلك المنة أنه بعد عودتي إلى مدينتي بعد مرور عامان من الغربة أن قابلت الكثير من الشباب الملتزم الذي لا أعرفه فإذا بهؤلاء الأعزاء يشدون على يدي و يشكرونني أن استعملني الله فكنت سبب في ردهم إلى طريق الحق فلله وحده الحمد و المنة , و كان من بركة هذا المعتكف أني ألقيت كلمة في أحد الليالي الفردية في العشر الأواخر أثناء صلاة التهجد فلاقت ترحيبا كبيرا و أيضا كانت لي كلمة عن وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم مازال الكثير ممن حضروا تلك الكلمة يذكرونها و قد يرى البعض في تلك الكلمات السابقة نوع رياء و حب ظهور و أسال الله أن يعافيني من هذا البلاء فما أنا فعلا إلا عبد فقير إنما أردت أن أعرض عليك أيها العزيز جانب مما فتح الله علي به لأسألك و أسأل نفسي هل كان السفر يستحق ترك هذا الميدان الذي من الله علي به ؟؟

إننا أيها الشباب و أرجو المعذرة أيها الكريم إن كنت أوجه حديثي دوما للشباب لكن تلك الكلمات الأصل أن المخاطب بها الشباب الذي تنتابه الحيرة بعد التخرج فلا يدري كيف يجمع بين ما يحب أيا ما كان و بين الحصول على الجانب المادي المريح ، فقد كان العديد من الشباب من أصحاب الإبداعات الرائعة فإذا هي تتلاشى في خضم أحداث الحياة كم من شباب هذا الجيل كان من الممكن أن يصبح شاعرا فذا أو أديبا مرموقا أو عالما من العلماء المشار إليهم بالبنان فإذا بتلك الموهبة تزول و تتلاشى , أعود فأقول أننا في تلك المرحلة العمرية نقف عند مفترق الطرق -غالبا- بين ما نريده و نهواه و ما هو متوفر في واقعنا فعلا. إن من أخطر المشاكل التي تواجه الآن ملايين الشباب العربي أن يعرف حقا ماذا يريد و لا يعني هذا أن كاتب تلك الكلمات قد وصل بر الأمان وجلس يستريح عليه ثم أخذ يلقي على كل عابر سبيل نصائح إرشادية تدله إلى ما وصل إليه بل إنني مازالت أبحث و لا أدري كم سيستغرق مني هذا البحث و هل سأصل إلى هذا الشاطئ الساحر أما سأظل أبحث دون طائل ، قد يقول البعض دعنا من تلك الفلسفة الجدلية و لننظر إلى الواقع من حولنا فإن الجري و راء السراب عبث فتلك المواهب التي تتكلم عنها ليست خبزا نأكله و لا ملبسا يسترنا فما قيمة أن نظل العمر كله نلهث خلف تلك الأحلام ، ربما ليس هذا مجال تقصي لكن انظروا أيها الشباب إلى تاريخ العظماء و المصلحين كم سهروا الليالي و كم افنوا الأعمار فما كان هذا عبثا و لهوا إنما كانت تلك التضحيات هي المداد الذي خطوا بها أسماءهم في سجل الشرف و العزة فلله در المصلحين و المبدعين الأوفياء و أين تضحيات هؤلاء و أحلامهم في مقابل تضحياتنا نحن و أحلامنا ؟؟

لا نريد الخروج كثيرا عن سياق الحديث نعود لنكمل تلك الفترة القصيرة الباقية لي في مصر, فقبل نهاية الاعتكاف بيومين جاء والدي إلى المعتكف و وجهه ممتقع شاحب اللون و أخبرني و الألم يعتصره أنه يتوجب علي أن أذهب إلى أحد الأجهزة الأمنية للحصول على جواز سفري فطمأنته و كنت اعلم مدى قلقه , و بالفعل ذهبت في اليوم التالي و كان الناس هناك في غاية الظرف فلم يجعلوني أنتظر كثيرا حتى أقابل الضابط المسئول, فقد استغرق انتظاري خمس ساعات فقط بالطبع هذه الرحمة الشديدة كانت لأننا في آخر أيام رمضان !!

كان الضابط لطيف للغاية لم يسألني كثيرا و قد وعدته بأن أدعوه و أدعو كل ضباط الإدارة على حفل زواجي يوما ما و لا أدري هل أستطيع أن أفي بهذا الوعد أم لا ؟؟؟ , و عندما غادرت كان والدي في انتظاري رحمه الله و كان الخوف و القلق يعلو وجهه فأخبرته أن الناس كانوا في غاية السعادة للقائي و أنه يمكنني السفر دون أدنى مشكلة. هناك موقفان أريد أن أذكرهما قبل أن استقل الطائرة المتوجهة للسعودية, الموقف الأول فيه طرفة فقبيل سفري بساعات جاء بعض أقاربي لزيارتنا فأخبرهم الوالد أن السبب في هذه المنحة الإلهية التي من الله علي بها – فقد كنت أول من سافر خارج البلاد في كل دفعتي تقريبا – هي محافظتي على الصلاة و .... إعفائي للحيتي !! .

أما الموقف الآخر فقبل سفري بليلة ذهبت لزيارة بعض أصدقائي بعد صلاة الفجر و كان الإفطار معد وكدت أصاب بعسر هضم من كثرة الأكل فقد كان الطعام شهي للغاية و بعد مغادرتي المكان تم إيقافي من قبل حملة و قالوا أن هذه السيارة قد تم الإبلاغ عنها طبعا يمكنكم أن تتخيلوا مشاعري في تلك اللحظة قلت لنفسي الموت علينا حق و إن لله و إن إليه راجعون, و أخذ الضابط يتحدث عبر جهاز اللاسلكي فترة من الزمن و هو ينظر إلى رخصتي و رخصة السيارة نظرات متفحصة ثم فوجئت أن الأمر كله لا يتعدى مروري على عسكري المرور دون وضع حزام الأمان فأبلغ عن السيارة و رفض الضابط إعطائي رخصة القيادة حتى بعد إبلاغه أنني سوف أسافر خلال ساعات لكن أبي استطاع أن يحضرها في نفس اليوم!! .

توجهت إلى المطار و كان معي أبي و أمي التي ظلت تقبلني طوال الطريق و أخي الأصغر و كان لتوه قد تخرج من الجامعة و عندما وصلت المطار طلبت من أخي طلب خاص أنه إذا أشتد مرض أبي لأي سبب من الأسباب أن يتصل بي على الفور و للآسف لم ينفذ ما طلبته منه , لم أكن أعلم أنها المرة الأخيرة التي سوف أرى فيها والدي رحمه الله يتكلم فقد رأيته قبل موته بسويعات قليلة و سوف يأتي معنا لاحقا أحداث هذا الأمر المؤلم . تجاوزت منطقة التفتيش و أخذت أشير لهم كثيرا حتى غابوا عن بصري و بعد مروري من منطقة الجوازات اتصلت للاطمئنان عليهم ثم قمت بتغير ملابسي لارتداء ملابس الإحرام فقد كانت نيتي أن أقوم بعمرة أولا و أجلس في مكة لعدة أيام قبل الذهاب لمدينة بريده و كانت سعادتي غامرة و مع النداء الأول للطائرة توجهت إليها و جلست في مقعدي و أخرجت كتاب الله لأقرأ فيها و كان موقعي بجانب جناح الطائرة و سبحان الله غالبا ما يكون هذا هو موقعي في الطائرات ، لم أعرف من سيكون رفيقي في الطائرة و قد منيت نفسي أن يكون شخص لطيف فلا يقطع علي خلوتي و يمنعني من التأمل في المشاهد الخلابة خارج الطائرة, جلست انتظر ,وأنا أمني نفسي برحلة إيمانية يغلب عليها التأمل و التدبر في ملكوت الخالق فقاطعني صوت قائلا : ممكن حضرتك تساعدني حتى أجلس


التفت برأسي نحو صاحب الصوت فإذا برفيقي .......



نكمل في المرة القادمة بإذن الله
د.خالد الرفاعي غير متصل   رد مع اقتباس