رد: كن مع تو زوو (الفهد الصياد الشيتا The Cheetah )

الاستئناس

استؤنست الفهود واستخدمت في الصيد من قبل العديد من الشعوب عبر الزمن، فقد احتفظ المصريون القدماء بها كحيوانات أليفة وقاموا بترويضها واستخدامها في صيد الغزلان والظباء والأرانب البرية، حيث كانوا يحملوها معهم في رحلات الصيد في عربات جانبية صغيرة، أو على ظهور الخيل، ويعصبون عيونها ويمسكون برسنها ريثما تقوم الكلاب بإفزاع الطريدة وحملها على الخروج للملأ، وما أن تصبح الأخيرة قريبة بما فيه الكفاية حتى تُزال العصابة عن أعين الفهد ويُطلق في أثر الفريسة. وفي وقت لاحق اقتبس الفرس هذا التقليد ومارسوه في بلادهم، ثم نقلوه إلى الهند حيث استمر الأمراء الهنود يطبقونه حتى بداية القرن العشرين. وكانت العرب قد اقتبست هذه الرياضة أيضًا من الفرس والمصريين عن طريق التفاعل الذي حصل جرّاء التبادل التجاري في بادئ الأمر، ومن ثم جرّاء الفتح الإسلامي، وكذلك فقد اقتبس الصليبيون هذا الأمر من العرب خلال فترة الحروب الصليبية، ونقلوه إلى أوروبا حيث مارسه عدد من النبلاء الإيطاليون والفرنسيون. كان الحكّام الروس يستخدمون الفهود في صيد ظباء السايگا قاطنة حوض نهر الفولگا، وكذلك فعل الأمراء الأرمن، حيث ذكر أحد الرحالة الألمان من القرن الخامس عشر، أن أميرًا أرمنيًا امتلك حوالي 100 فهد مدرّب على الصيد. استمرت الفهود تعتبر رمزًا أرستقراطيًا وملكيًا طيلة سنوات عديدة، وازدادت نسبة الملوك والأمراء الذين احتفظوا بها كحيوانات أليفة بازدياد العلم والمعرفة بسرعتها ونسبة نجاحها في الصيد، ومن أشهر الملوك الذين احتفظوا بفهود في بلاطهم: "جنكيز خان" خاقان إمبراطورية المغول، و"شارلمان" ملك الإفرنج وإمبراطور الرومان، إضافة إلى "جلال الدین محمد أکبر" إمبراطور الهند المغولية، المعروف بحبه للحيوانات والصيد، والذي احتفظ بحوالي 1000 فهد مستأنس. استمر احتفاظ الملوك بفهود مستأنسة حتى عقد الثلاثينات من القرن العشرين، ومن آخر هؤلاء الملوك نجاشي الحبشة "هيلا سيلاسي الأول"، الذي غالبًا ما يظهر في صوره وإلى جانبه فهد مربوط برسن.
وفي الوقت الحالي فإن استئناس الفهود واستخدامها في الصيد محصور بيد قلة من الناس الذين يحنون إلى تراث أجدادهم، مثل بعض المشايخ والأثرياء العرب من دولة الإمارات العربية المتحدة، الذين يبتاعون جراءًا من السوق السوداء ويقومون بتدريبها على صيد الغزلان والأرانب البرية.
الحفاظ على النوع
تعاني الفهود كثيرًا في مراحل حياتها الأولى بفعل افتراس الضواري لها وسهولة تعرضها للامراض المميتة بسبب ضعف مقاومتها العائد لقلة تنوعها الوراثي، وهي قد تولد مصابة بعيب أو عدّة عيوب خلقية كأسنان ضيقة، ذيول ملوية، أو أطراف محنية. يعتقد بعض علماء الأحياء أن الفهود لن يُكتب لها البقاء والازدهار بسبب تناسلها الداخلي الذي بلغ حدًا من الجسامة وأصاب النوع ككل بضرر لا يمكن الرجوع عنه وإصلاحه.
يُصنف الخبراء في الإتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة الفهود على أنها مهددة بالانقراض بدرجة دنيا، وأن السلالة الآسيوية منها مهددة بدرجة قصوى أما السلالات الأفريقية فيصدق عليها وضع النوع ككل. وكذلك يفعل قانون الأنواع المهددة بالانقراض الأمريكي، حيث يُصنف الفهود كحيوانات مهددة، وهذه هي الحال أيضًا في اتفاقية حظر الإتجار بالأنواع المهددة بالانقراض (CITES) حيث يضع الخبراء الفهود ضمن قائمة الحيوانات المذكورة في الملحق الأول من الاتفاقية، وهي القائمة التي تضم الأنواع غير المهددة ولكن يحتمل تأثرها بالتجارة. هناك قرابة 12,400 فهد باق على قيد الحياة اليوم في 25 بلدًا أفريقيًا، تأوي ناميبيا العدد الأكبر منها والذي يصل إلى 2,500 فهد. يُعتقد أن حوالي 50 أو 60 فهدًا آسيويًا لا يزال يعيش في إيران، وأن بعضًا منها يُحتمل وجوده في باكستان. قام المحافظون على الحياة البرية بإنشاء عدّة برامج تزاوج وإكثار للفهود في عدد من حدائق الحيوان حول العالم، وقد تضمنت بعض تلك البرامج اللجوء إلى الحمل الاصطناعي. ومن حدائق الحيوانات والمؤسسات التي نجحت بإكثار الفهود محمية جزيرة صير بني ياس بالإمارات العربية المتحدة، التي يُعتقد أيضًا أنها أول مؤسسة حفاظ على الحياة البرية استطاعت إعادة فهود مولودة بالأسر إلى البرية ودمجها فيها.
قام بعض الباحثين ومحبي الحياة البرية سنة 1990 بتأسيس جمعية "صندوق الحفاظ على الفهود" (بالإنگليزية: Cheetah Conservation Fund، CCF) في ناميبيا، ويهدف هذا المشروع ليكون مصدر التمويل العالمي الأول لجميع مشاريع الحفاظ على الفهود، ويعمل أفراده على تثقيف أصحاب الأراضي والمزارعين والقرويين الذين يشاركون الفهود موطنها وإقناعهم باللجوء إلى أساليب أخرى غير فتاكة لحماية مواشيهم واقصار رعي الأخيرة على مناطق محددة دون الأخرى كي يبقى للفهود مخزونًا كافيًا من الطرائد البرية.
ومن الجمعيات الأخرى التي تأسست لأغراض مشابهة، "مؤسسة الحفاظ على الفهود" (بالإنگليزية: Cheetah Conservation Foundation) الجنوب أفريقية واسعة الصلات، وهي تتعاون مع عدد من المؤسسات الأخرى الهادفة لإنقاذ الفهود عبر تدريبها باحثيها وتقديم النماذج الناجحة من مشاريعها لها إضافة للموارد اللازمة، ومن الدول التي تتعاون معها: بوتسوانا، جنوب أفريقيا، زيمبابوي، الجزائر، وإيران.
مشاريع إعادة الادخال في الهند والإمارات

كانت الفهود شائعة في الهند حتى عقد الأربعينات من القرن العشرين، عندما قُتل آخرها على يد مهراجا مقاطعة سورگوجا سنة 1947، بشرق ولاية ماضية براديش، وتشير بعض المصادر الأخرى أن آخر فهد في الهند قتل سنة 1962. أعلنت الفهود منقرضة في البلاد بصورة رسمية سنة 1952، وكانت أول نوع من الحيوانات يندثر في تلك الناحية من العالم لأسباب غير طبيعية. وفي أوائل القرن الحادي والعشرين، اقترح بعض العلماء الهنود من مركز علم الأحياء الجزيئية والخلوية في حيدر أباد، اقترحوا نقل زوج من الفهود الآسيوية من إيران واستنساخها ثم إطلاق سراحها بالبرية، أو السماح لفريق منهم بالذهاب إلى إيران واحضار خلايا حية من بعض الفهود الباقية هناك، لكن إيران رفضت هذا الطلب وأعلنت على لسان سفيرها في دلهي أنها لن تسمح بإرسال أي فهود إلى الهند، أو السماح لأي علماء هنود بدخول أراضيها. وبتاريخ 7 يوليو سنة 2009، أي بعد حوالي 60 سنة من انقراض الفهود في الهند، اقترح وزير البيئة والغابات الهندي "جايرام راميش" إعادة إدخال الفهود وتوطينها في بيئتها السابقة والعمل على إكثارها، وذلك عن طريق إحضار بضعة منها من أفريقيا وتزويجها في الأسر لفترة من الزمن ثم إطلاقها في البرية، وقد قابلت الحكومة الهندية هذا الطلب بالإيجاب، وشرعت في إبرام دراسة لتحديد أكثر المواطن ملائمة للفهود، ومن المناطق المقترحة: محمية سهول باني في ولاية گوجرات، ومنتزه الصحراء الوطني في ولاية راجستان.
وكما في الهند، كانت الفهود واسعة الانتشار في شبه الجزيرة العربية، لكن اعدادها أخذت تتراجع شيءًا فشيئًا جرّاء الصيد المكثف غير المنظم، حتى قتل آخرها في السعودية سنة 1972. وفي أواخر سنة 2008 أحضر العلماء العاملين في محمية جزيرة صير بني ياس الواقعة قبالة شاطئ مدينة أبو ظبي 3 فهود من سلالة سومرنج (Acinonyx jubatus soemmeringii) القريبة من السلالة الآسيوية من مركز الشارقة لإكثار الحياة البرية العربية، وأطلقوها في حظيرة تبلغ مساحتها 24 هكتارًا حتى تتأقلم مع مناخ وبيئة الجزيرة.
وقد اضطر العلماء إلى تلقين هذه الفهود أساليب الصيد بنفسهم بما أنها مولودة بالأسر ولم تتعلم الصيد على يد أمهاتها، وكان البعض يتوقع فشل هذا المشروع نظرًا لاعتماد الفهود على البشر بشكل كبير، إلا أنه فاق في نجاحه ما توقعه الجميع، حيث أخذت الفهود تصطاد أنواعًا مختلفة من الطرائد الموجودة على الجزيرة مثل الريم وغزلان الجبال والظباء السوداء والأيائل المرقطة حتى، وفي وقت لاحق تزاوجت الأنثى الوحيدة مع الذكرين وأنجبت بطنًا يحتوي على 4 جراء لتكون بذلك أول جراء فهود برية تولد في شبه الجزيرة العربية منذ حوالي 40 سنة.
في الميثولوجيا والحضارة البشرية

لعبت الفهود دورًا في الميثولوجيا والحضارة البشرية منذ القدم، فقد اكتشف علماء الآثار أختامًا سومرية في بلاد مابين النهرين تحمل نقشًا لفهود وتعود لحوالي 5000 سنة، كذلك كان المصريون القدماء يعتقدون بأن الفهود حيوانات مقدسة وإنها رمز الازدهار، وجعلوا منها آلهة في مصر السفلى حيث كانوا يدعون الفرد منها "بالسنور الإله"، وكان الفراعنة يحتفظون بفهود إلى جانبهم اعتقادًا منهم أنها تحمي العرش وصاحبه. وقد عُثر في ضريح الملك "توت عنخ آمون" على بضعة حرفيات تمثل الفهود وُضعت لحماية جثمانه من اللصوص والأرواح الشريرة على الأرجح. تفيد بعض التقارير أن عددًا من قبائل البوشمن في أفريقيا الجنوبية استمرت تصطاد الفهود وتأكل لحمها حتى عقد الستينات من القرن العشرين. ظهرت الفهود في عدد من المؤلفات الأدبية واللوحات الفنية خلال العصور الحديثة، ومن هذه الأعمال: لوحة الرسام الإيطالي من عصر النهضة "تيتيان"، حاملة عنوان "باخوس وأريادن"، والتي تُظهر عربة الإله الروماني "باخوس" تجرها فهود، ومن الجدير بالذكر أن تصوير الفهود في تلك اللوحة يرجع إلى شيوع استئناسها في تلك الفترة في إيطاليا واسخدامها في الصيد. كذلك تظهر الفهود في لوحة للفنان البريطاني "جورج ستبز" تحمل عنوان "فهد وخادمين هنديين وأيل (بالإنگليزية: Cheetah with Two Indian Attendants and a Stag) وهي تُظهر الفهد كحيوان صياد، وتصف تقديم أحدها هدية إلى الملك "جورج الثالث" من "السير جورج پيگوت"، الحاكم الإنگليزي لمدينة مدراس. تمثل لوحة الرسام الرمزي البلجيكي "فرناند كنوپ" حاملة عنوان "العناق" أسطورة أوديب وأبو الهول، وفيها تظهر امرأة بجسد فهد تعانق رجلاً. يتكلم الكاتب الفرنسي "أندريه مرسير" في روايته "صديقنا يامبو" عن زوجين فرنسيين يتبنيان فهدًا ويحضرانه للعيش في منزلهما في باريس، ويعتبر البعض أن هذه الرواية جاءت ردًا على فيلم "ولدت حرة" (بالإنگليزية: Born Free) لسنة 1960، والذي قامت كاتبة قصته "جوي آدمسون" بكتابة رواية عن الفهود بدورها حملت عنوان "أبو الهول الأرقط" (بالإنگليزية: The Spotted Sphinx). يذكر الكاتب البريطاني "پاتريك أوبراين" في روايته "حسين، ترفيهة" (بالإنگليزية: Hussein, An Entertainment) التي تدور أحداثها في الهند البريطانية، كيف أن الملوك والأمراء كانوا يحتفظون بالفهود ويدربوها على صيد الظباء. يُعتبر اسم "فهد" اسمًا عربيًا شائعًا في دول الخليج العربي خصوصًا، ومن أشهر الأشخاص الذين حملوه "فهد بن عبد العزيز آل سعود"، خامس ملوك آل سعود والذي توفي بتاريخ 1 أغسطس سنة 2005.
|